ورشة مسرح الطفل

ورشة مسرح الطفل

مسرح الطفل ...
لا يختلف اثنان على ان للمسرح دورا كبيرا في حمل هموم وقضايا المجتمع وطرحها بصورة تقترب جدا من المتابع لها على  مدرجات المسرح وتكون هذه الصورة اما كوميدية او تراجيدية حتى يتمكن المهتم بالمسرح توصيل فكرته الى جمهور عريض من خلالها يغير سلوكا سلبيا الى سلوك ايجابي اذا فالمسرح فن اتصال مباشر يتم بين الكاتب ومن يجسد الشخصية على خشبة المسرح وبين المشاهد ونحن نشهد وفي ظل التقدم الكبير الذي حصده المسرح انه خطى بخطوات ثابتة استطاع من خلالها ان يكشف عن وجهه بشكل جذب جماهير غفيرة وناقش قضايا عديدة منها الاجتماعية والثقافية وغيرها الكثير.
وكما نعلم ان هناك عوامل لا بد من توافرها في ايجاد مسرح له فاعلية وتأثير فالموقع او الخشبة هي اولها وبعدها يأتي النص الجيد الذي يتناول قضية تهم قطاعا كبيرا من الجمهور وكذلك الدعم المادي المهم هو ايضا وتابع بعد ذلك عوامل الممثلين والسينوغرافيا (ديكور واضاءة ومؤثرات وغيرها) فبوجود هذه العوامل وتضافرها مع بعضها نؤسس مسرحا له قيمة فيما يطرحه ويجد فيه الجمهور متنفسا لهمومه.
ان مسرح الطفل من المسارح المهمة والصعبة ايضا من وجهة نظري لانك عندما تتعامل مع فئة الاطفال فانك تحتار ماذا يفضلون فدائما الطفل يريد الكثير ينتعش معه ويكبح جماح غروره وهذا ما نلاحظه في قلة الاعمال التي تصب في هذا الجانب وانا برأيي يجب الاعتناء بهذه الفئة من اجل تنشئتها على ثقافة واسعة ومعرفة وسلوك يتناسب مع تغيرات الزمان فعندما نريد ان نضع نصا مسرحيا يجب مراعاة الاذواق ومراعاة ايضا الاجواء العائلية فعندما ترضي العائلة فانك ارضيت الطفل والطفل مرتبط بأسرته اذن فهي منطلق يعتمد عليه في متابعة المسرحية.
مسرح الطفل ورهانات المستقبل 
 الأسرة و دورها في تنمية مواهب الطفل
 لماذا يمثل الطفل؟
 أثر المسرح في توجيه الطفل؟
 إلى أي حد يغني الكتاب بكتاباتهم خيال الطفل ويساعدوه على تفجير قدراته؟
 ما نوع الخطاب الذي يجب الالتزام به اتجاه الطفل ؟
 هل يمكن أن نتحدث عن مسرح للطفل؟
 كتابة الطفل للطفل أية حقيقة؟
نقطة من كأس العبارة
عندما نكتب، يتحول العالم لحانة صغيرة نرقص على إيقاعات موسيقاها المختلفة، ونبدو وكأننا نُدْخِلُ خيط معرفتنا البسيط بالأشياء في إبرة الكون، من ثمة يهرول كل حامل قلم في أرض الإبداع ، لكي يضع مِدَادَ روحه الفكري في دواة الحوار السوسيوثقافي...، ولكن أين يحط الكاتب رحاله إذا كانت سهام الكتابة موجهة إلى الطفل من قوس الفضاء المسرحي؟، هذا الجمال الذي يزرع بهاء الكون بلوحات منزوعة من أرض النفس التي تترجم عوالم مختلفة.
لمسة البداية
لن يختلف اثنان في كون الأسرة هي الدفقة المثلى التي تسري في المساحة النفسية الخاصة بالطفل، لتمنحه مدارج الاختلاف عن قطيع الأطفال، كما تفجر طاقاته التي تقود هلامية إحساسه بالأشياء نحو تحديد المصب الذي ستجري فيه مواهبه. لذا اعتبرنا الأسرة هي المكتبة المتنقلة التي ترفع عن ذاكرة الطفل سجوف الأشياء الدقيقة التي قد تستعصي على مداركه. ولعل خطوات إخصاب خياله الأولى راجع إلى حكايات الجدات والأمهات والتي غالبا ما تكون الأسطورة مادتها الأولى، ونحن لا نجهل مدى أهمية هذا الإشعار الذي ينمو في وجدانه ليترجم ممارسته لعملية مسرحية يقوم بها على أرض الواقع.ولعل في حمل الطفلة وهي ترفل في أثواب الحضانة دميتها ترجمة واضحة لممارستها عملية الأمومة من خلال تقمص الخطاب الذي يوجه إليها، ولا يختلف الأمر عن الطفل الذي لا تخلو يداه من مسدس يعبر عن رجولة مبكرة رغم الطفولة..إنه مسرح صغير داخل المسرح الكبير.لتأتى المدرسة في مرحلتها الأخرى لتجعل نوافذها مشرعة أمام ذاكرة الطفل، فيرتشف من ثغر الثقافة الموجهة إليه خمرة المتعة المرجوة. وللمسرح المدرسي هذا الذي يخضع غالبا للكلام المنثور أثره الفعال في مراقبة انفعالات الطفل واحتوائه من خلال الأشكال الدرامية التي تستمد تواجدها من المجتمع غالبا. ليصبح -أي المسرح المدرسي- أداة تربوية خطيرة لا تقتصر على الفرجة فقط، بل تتعدى الأمر إلى تحقيق نوع من التوازن الوجداني للطفل. ولكن تبقى معوقات عديدة تقف دون تحقيق المرامي الخاصة به ولن ندخل في هذه الورقة في دهاليزها.
لماذا يمثل الطفل؟
إن عملية الإغواء التي يمارسها المسرح على نفسية الطفل لتدعونا إلى أن نضع هذا التساؤل الذي يبدو بسيطا في طرحه، لكنه عميق في رؤيته التركيبية، فأن يتقمص الطفل دورا ما ليس معناه أنه يسلي جمهورا من الأطفال أو المهتمين فقط ، بل إن الأمر أعمق من هذا بكثير، لأن الأمر قد يتعدى التقمص اللحظي لشخصية ما إلى التعمق في الدور والامتثال للأبعاد المرجوة منه. فإذا كانت هذه المسرحيات إرشادية تحاول معالجة فكرة ما تصب في المناحي الدينية أو السياسية أو الاجتماعية فمن المنطقي أن تكون ثمار هذه الكرمة صَهْبَاءَ تقود وجدان الطفل نحو روافد ضرورية تكون ذات بعد نفسي واجتماعي وميتافيزيقي.فمن يكتب للطفل إذن نصوصه الممسرحة؟ !
لعل أهم ما يخصب تجربة الطفل وهو يدلي بدلوه في هذا الرواق الكبير هو تلك الأرضية المفروشة من الحكايا الشعبية والأساطير وكل أشكال التعبير الشفوي المشوق الذي يخضع للتجسيد فوق الخشبة، إذ من خلالها تترسخ مجموعة من القيم الإنسانية في فكره دون إغفال مجموعة من التناقضات التي تخول له شق طريقه ولو بشكل جزئي في دائرة الحياة.فكثيرة هي النصوص التي ما تزال راسخة في الذاكرة عندما كنا نمارس المسرح كهواية شدنا إليه سحر التجسيد والإخراج المرافق له حيث منحنا هذا في فترة ما من الاحتكاك بالنصوص، خطوة فطرية نحو تلمس الأشياء الحرجة. من ثم وجب علينا أن نعرف أن لكل مرحلة من مراحل العمر طوق مختلف عن سابقيه يجب أن يأخذ الكاتب بعين الاعتبار هذا التسلسل الزمني. حتى تخدم الكتابة المسرحية الغرض الذي من أجله شَقّتْ رداء الصمت.و ما تزال أقلام الكبار هي المهيمنة على كتابات مسرح الطفل بدون أي جدال ولكن إلى أي حد يستطيع- أي هؤلاء الكتاب- أن يغنوا جوانب الخيال عند الطفل ويساعدوه على تفجير قدراته ومواهبه؟
" من المفروض أن يدرك كتاب المسرح أن مسرح الطفل تجربة نفسية"سيكولوجية" أعمق تأثيرا فيه من أثر مسرح الكبار ي مشاهديه بصفة عامة..وبذلك فإن أي أثر سلبي لا يدركه الكاتب أثناء تأليف المسرحية قد يحدث آثارا في نفسية الأطفال قد لا يتخيلها، من هنا كنت الصعوبة الكامنة في الكتابة لمسرح الطفل، لأنه يفترض في الكاتب المسرحي أن يملك ناصية اللغة التي يفهمها الطفل، وهي تتسم بفروق عن لغة الكبار قد تكون أشد اختلافا من الفروق الموجودة بين اللغة الأم واللغة الأجنبية" .*فنحن من خلال كتاباتنا علينا أن لا نغفل ولا لحظة على أننا نبحث أن نخلق لدى الطفل توازنا نفسيا ينمي داخله معنى الإحساس بالجمال و الذي قد يترك بصماته عليه في أشد المراحل حساسية في حياته، لأن طفل اليوم ما هو إلا رجل الغد.فإما أن نساهم في تقويم ذوقه السليم بكتابات تجعله يتسلق لَبْلَابَةَ ماهية الفن الرفيع، وإما غير ذلك، لذا على من يكتبون للطفل العمل على تطوير أي عمل درامي في قالب من التشويق والتسلية مع الفائدة.مع مراعاة للإخراج الذي يضفي على العمل سحرا آخر يتأقلم معه الطفل في تفاعل لا يمكن النقص من قوة تأثيره.
هل يمكن أن نتحدث عن مسرح للطفل؟
لعل أهم ما يستوقفنا هو أن لمسرح الطفل قواعد ذات حساسية خاصة أكبر بكثير من التعامل مع مسرح الكبار، فهو ليس فرجة عابرة بقدر ما هو "مسرح تربوي في حد ذاته، يعتمد في ذلك على نظرية المسرح التربوي لبيتر سليد، الهدف منه هو هدف تعليمي وترفيهي"*ولكن ما تزال الأقلام التي تكتب النص المسرحي تفتقد لشروط وقواعد الكتابة للطفل. لأن أهم نسيج يمسك بعروته الطفل هو التخييل، ومن خلاله يقوم بعملية إسقاط لمجموعة من الرموز التي تؤسس فضاء النص المسرحي ، فهل ماهية الأشياء التي يحاول حصرها في ذاكرته هي كما يراها الكبار؟
طبعا لا.. فلعوالم الطفل طقوس لا يمكن تجاوزها إلا ببطاقات مرور عبر عمليات إشارية لا بد من التوقف عندها بشكل عميق للعبور بشكل شبه طبيعي نحو آفاق الطفل. ولعل اللغة الموظفة من طرف الكاتب هي الرقم السري في إغناء عملية الحوار في الشريان المسرحي، محتويا شخصيات لها بعد نفسي واجتماعي قد تلعب دورا كبيرا في خلق التفاعل البناء بين الأطفال فيما بينهم وبين الأطفال والكبار، رغم أن هذه العملية الحوارية عقيمة في مجتمعاتنا العربية .
من ثمة على الكاتب أن يراعي التطور الذي تقطع الإنسانية جمعاء أشواطها، فيجسد للطفل من خلال لوحات مركزة تلعب الإضاءة والإخراج دورا كبيرا في إيصالها للمتلقي،هذا العالم الحضاري الذي تمثل القوة أهم معطياتها، محاولا ربطها بشكل دقيق بالصور الواقعية. لأن زمن الأساطير وحكايا الجدات أصبح شبه ملغي أمام قوة العلم بكل اختراعاته وغير ذلك من الرموز الحديثة مثل السوبرمان اللائحة طويلة . وعلينا أن لا نغفل دغدغة الجسد برقصات تعبيرية تكسر الروتين، وتدفع الطفل إلى خلق توازن جذري بين الاسترخاء اللحظي والتفكير المستمر مع تناول كؤوس المتعة المفرقة من زجاجات اللهو واللعب.
هل يكتب الطفل للطفل؟
لا نظن أن لدينا مؤسسات ترعى بشكل مباشر إبداعات الطفل وتدفعها فوق عجلة الانطلاق في مساحات الإبداع دون قيود، نعم هناك الجمعيات التي تولي اهتماما للأطفال في مجالي التمثيل، الشعر، كتابة الخواطر، وبعض القصص، لكن بحكم تجربتنا التي تصب في منحى القدم مع الجمعيات الثقافية، لم نلمس ولو في مرة يتيمة نصا يهرول إلى قبيلة النصوص المسرحية. قد يكون الأمر عائدا بالأساس إلى قلة القراءة في التجارب المسرحية المكتوبة من جهة، وأيضا قد يكون الأمر راجعا إلى عدم توعية الطفل بأهمية خوض هذه التجربة لعدم وضع قواعد ومناهج واضحة الخطوات أمامه من طرف أية جهة من الجهات الثقافية، وقد يعود الأمر في نقطة أخرى إلى عدم تشجيع الطفل لارتياد هذه الأماكن بشكل مكثف، على أي مهما تعددت الأسباب واختلفت فإنه من الضروري أن نمنح وسام البحث الجاد للطفل قصد إشراكه في العرض المسرحي عن طريق إعطائه فرصة إبداء رأيه في العرض ، وفتح المجال أمامه للتعبير الحر عن الشخصيات التي تجسد انفعالات مختلفة. حتى يتحرر خياله ويكتسب شحنة قوية من الإحساس بالجمال الكوني مما يدفعه إلى الابتكار وتنمية كل ملكاته والتفاعل مع الواقع برؤية مختلفة عن المألوف والمعتاد.

الهوامش

*1 مسرح الطفل وأثره في تكوين القيم والاتجاهات د محمد مبارك الصوري الحولية الثامن عشرة ص 66

*2 محمد الشتيوي، ملحوظات حول المسرح التربوي(التجربة البريطانية)عالم الفكر،المجلد الثامن عشر

0 التعليقات :

إرسال تعليق